[المقالة الخامسة و العشرون] في حكم تعارض الأدلة و عرّف التعارض بتنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضادّ.
و لا يخفى أنّ التنافي المزبور في الحقيقة قائم بنفس الواقع بلا مساس له بمرحلة الدليل بما هو دليل إلّا بنحو من العناية، بملاحظة كون حكاية الدليلين عن المتنافيين موجبة لتنافيهما في حكايته بعناية أنّ الحاكي عين المحكيّ، فيصيران بحسب الدلالة و الحكاية كأنّهما متنافيان.
و حينئذ فاتّصاف الدليلين بالتنافي المزبور نظير وصف الشيء بحال متعلّقه.
و إلّا فبالنسبة إلى نفسه لا يكون [تناف] بينهما إلّا بالعرض و المجاز.
نعم ربما [تكون] تلك جهة التنافي تنافيا حقيقا قائما بنفس الدليلين بلا عناية، و هو في الحقيقة مساوق عرض كلّ واحد نفسه في الدخول تحت دليله.
و [مثل] ذلك المعنى من التنافي أنسب إلى شرح التعارض من التنافي السابق، إذ هو قريب إلى تعريف الشيء بسببه.
و لعلّ ذلك هو النكتة في عدول الأستاذ «1» في تعريفه عن تنافي مدلولي
__________________________________________________
(1) راجع كفاية الأصول: 496.
مقالات الأصول، ج2، ص: 456
الدليلين إلى تنافيهما في مرحلة الدلالة و مقام الإثبات، بل و مثل هذا المعنى يناسب لفظ التعارض الوارد في موضوع الأخبار العلاجية المنصرفة [عن] موارد الجمع العرفي، لعدم صدق تنافي الدليلين في مرحلة الإثبات بالنسبة إلى موارد الجمع، بخلاف المعنى السابق، إذ هو صادق على موارد الجمع أيضا، فشرح التعارض بمثله يوجب شموله لموارد الجمع أيضا، فتقع المغايرة بين ذلك العنوان الواقع موضوعا للبحث و بين العنوان الواقع موضوع الأخبار العلاجية.
نعم لازم ذلك كون البحث عن الجمع و تمييز موارده في مثل هذا المبحث من المقاصد، نظير البحث عن التعادل و الترجيح. و هذا بخلاف المعنى الأوّل، إذ البحث عن أحكام الجمع و ما يتعلّق به في مثل هذا المبحث استطراديّ محض، و [لعلّ] مثل تلك الجهة أيضا دعى الشيخ قدّس سرّه «1» في تعريفه عنوان التعارض الواقع في موضوع البحث [إلى] ما أفيد، كي يجمع المسائل الثلاث، و يكون البحث عن كلّ واحد منها، كما لا يخفى.